وبين أنبيائه وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم فيحتمل أن يقال إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد ﷺ دفعة واحدة لبطل ذلك المنصب على جبريل عليه السلام فلما أنزله مفرقاً منجماً بقي ذلك المنصب العالي عليه فلأجل ذلك جعله الله سبحانه وتعالى مفرقاً منجماً.
أما قوله :﴿كذلك﴾ ففيه وجهان : الأول : أنه من تمام كلام المشركين أي جملة واحدة كذلك أي كالتوراة والإنجيل، وعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار في الآية وهو أن يقول : أنزلناه مفرقاً لتثبت به فؤادك الثاني : أنه كلام الله تعالى ذكره جواباً لهم أي كذلك أنزلناه مفرقاً فإن قيل : ذلك في ﴿كذلك﴾ يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدمه والذي تقدم فهو إنزاله جملة ( واحدة ) فكيف فسر به كذلك أنزلناه مفرقاً ؟ قلنا لأن قولهم ﴿لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ جُمْلَةً واحدة﴾ معناه لم نزل مفرقاً فذلك إشارة إليه.
أما قوله تعالى :﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ فمعنى الترتيل في الكلام أن يأتي بعضه على أثر بعض على تؤدة وتمهل وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفلجها يقال ثغر رتل وهو ضد المتراص، ثم إنه سبحانه وتعالى لما بين فساد قولهم بالجواب الواضح قال :﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ من الجنس الذي تقدم ذكره من الشبهات إلا جئناك بالحق الذي يدفع قولهم، كما قال تعالى :﴿بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ] وبين أن الذي يأتي به أحسن تفسيراً لأجل ما فيه من المزية في البيان والظهور، ولما كان التفسير هو الكشف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه، فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل معناه كذا وكذا.
أما قوله :﴿الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :