﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام ﴾ الخ جملةٌ مستأنفة مسوقة لتقرير النَّكيرِ وتأكيدِه وحسم مادة الحُسبانِ بالمرَّةِ أي ما هم في عدم الانتفاعِ بما يقرعُ آذانَهم من قوارع الآياتِ وانتفاء التَّدبرِ فيما يشاهدونَهُ من الدَّلائلِ والمُعجزاتِ إلا كالبهائمِ التي هي مثلٌ في الغفلةِ وعَلَمٌ في الضَّلالةِ ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ منها ﴿ سَبِيلاً ﴾ لما أنها تنقادُ لصاحبها الذي يعلِفها ويتعهدُّها وتعرف مَن يُحسِن إليها ممَّن يُسيء إليها وتطلبُ ما ينفعها وتجتنبُ ما يضرُّها وتهتدي لمراعيها ومشاربها وتأوِي إلى معاطنِها، وهؤلاءِ لا ينقادونَ لربِّهم وخالقِهم ورازقِهم ولا يعرفون إحسانَهُ إليهم من إساءةِ الشَّيطانِ الذي هو أعدى عدوِّهم ولا يطلبون الثَّوابَ الذي هو أعظمُ المنافع ولا يتَّقون العقابَ الذي هو أشدُّ المضارِّ والمهالك ولا يهتدون للحقِّ الذي هو المشرب الهنيُّ والمورد العذبُ الرَّويُّ لأنَّها إنْ لم تعتقِد حقَّاً مستتبِعاً لاكتساب الخيرِ لم تعتقد باطلاً مستوجباً لاقترافِ الشَّرِّ بخلاف هؤلاء حيث مهّدوا قواعدَ الباطلِ وفرَّعُوا عليها أحكامُ الشُّرورِ، ولأنَّ أحكامَ جهالتِها وضلالتها مقصورةٌ على أنفسها لا تتعدَّى إلى أحدٍ وجهالةُ هؤلاء مؤدِّيةٌ إلى ثوران الفتنةِ والفسادِ وصدِّ النَّاسِ عن سَننِ السَّدادِ وهيجان الهَرْجِ والمَرْجِ فيما بين العباد ولأنَّها غيرُ معطلةٍ لقوَّةٍ من القُوى المُودَعة بل صارفة لها إلى ما خُلقت هي له فلا تقصيرَ من قبلها في طلبِ الكمالِ، وأمَّا هؤلاءِ فهم مُعطِّلون لقواهم العقلية مضيِّعون للفطرةِ الأصليةِ التي فُطر النَّاسُ عليها مستحقُّون بذلك أعظم العقابِ وأشدَّ النَّكالِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾