ويمكن أن يقال : إن تخصيص موسى بالخطاب في بعض المواطن لكونه الأصل في الرسالة، والجمع بينهما في الخطاب لكونهما مرسلين جميعاً ﴿ فدمرناهم تَدْمِيراً ﴾ في الكلام حذف أي : فذهبا إليهم، فكذبوهما، فدمرناهم أي : أهلكناهم إثر ذلك التكذيب إهلاكاً عظيماً.
وقيل : إن المراد بالتدمير هنا الحكم به، لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم، بل بعده بمدّة.
﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أغرقناهم ﴾ في نصب ﴿ قوم ﴾ أقوال : العطف على الهاء، والميم في دمرناهم، أو النصب بفعل محذوف أي : اذكر، أو بفعل مضمر يفسره ما بعده، وهو أغرقناهم أي : أغرقنا قوم نوح أغرقناهم.
وقال الفراء : هو منصوب بأغرقناهم المذكور بعده من دون تقدير مضمر يفسره ما بعده.
وردّه النحاس : بأن أغرقنا لا يتعدّى إلى مفعولين حتى يعمل في الضمير المتصل به، وفي قوم نوح، ومعنى ﴿ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل ﴾ : أنهم كذبوا نوحاً، وكذبوا من قبله من رسل الله.
وقال الزجاج : من كذّب نبياً فقد كذّب جميع الأنبياء، وكان إغراقهم بالطوفان كما تقدّم في هود ﴿ وجعلناهم لِلنَّاسِ ءَايَةً ﴾ أي : جعلنا إغراقهم، أو قصتهم للناس آية أي : عبرة لكل الناس على العموم يتعظ بها كل مشاهد لها، وسامع لخبرها ﴿ وَأَعْتَدْنَا للظالمين ﴾ المراد بالظالمين : قوم نوح على الخصوص.
ويجوز أن يكون المراد كل من سلك مسلكهم في التكذيب والعذاب الأليم : هو عذاب الآخرة، وانتصاب ﴿ عَاداً ﴾ بالعطف على قوم نوح، وقيل : على محل الظالمين، وقيل : على مفعول جعلناهم ﴿ وَثَمُود ﴾ معطوف على عاداً، وقصة عاد وثمود قد ذكرت فيما سبق ﴿ وأصحاب الرس ﴾ الرسّ في كلام العرب : البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس كذا قال أبو عبيدة، ومنه قول الشاعر :
وهم سائرون إلى أرضهم... تنابلة يحفرون الرّساسا


الصفحة التالية
Icon