لقد عظم شأنهم في نظر أنفسهم، فاستكبروا واطغوا طغياناً كبيراً. لقد تضخم شعورهم بأنفسهم حتى شغلهم عن تقدير القيم الحقيقية ووزنها وزناً صحيحاً. لقد عادوا ما يحسون إلا أنفسهم وقد كبرت في أعينهم وتضخمت وعظمت، حتى ليحسبونهم شيئاً عظيماً في هذا الكون يستحق أن يظهر لهم الله جل جلاله ليؤمنوا ويصدقوا!
ثم يسخر منهم بصدق وحق، إذ يطلعهم على الهول الذي ينتظرهم يوم يرون الملائكة ورؤية الملائكة هي أقل الطلبين تطاولاً فإنهم لا يرون الملائكة إلا في يوم عصيب هائل، ينتظرهم فيه العذاب الذي لا طاقة لهم به، ولا نجاة لهم منه. ذلك هو يوم الحساب والعقاب :
﴿ يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين. ويقولون : حجراً محجوراً. وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً ﴾..
يوم يتحقق اقتراحهم الذي اقترحوه :﴿ يوم يرون الملائكة ﴾ يومئد لا يبشر المجرمون ولكن يعذبون. فيالها من استجابة لما يقولون! يومئذ يقولون :﴿ حجراً محجوراً ﴾ أي حراماً محرماً. وهي جملة اتقاء للشر وللأعداء كانوا يقولونها استبعاداً لأعدائهم وتحرزاً من أذاهم. وهي تجري في ذلك اليوم على ألسنتهم بحكم العادة من الذهول حين يفاجأون. ولكن أين هم اليوم مما كانوا يقولون! إن الدعاء لا يعصمهم ولا يمنعهم :
﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً ﴾..
هكذا في لحظة. والخيال يتبع حركة القدوم المجسمة المتخيلة على طريقة القرآن في التجسيم والتخييل وعملية الإثارة للأعمال، والتذرية في الهواء، فإذا كل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح هباء. ذلك أنه لم يقم على الإيمان، الذي يصل القلب بالله، والذي يجعل العمل الصالح منهجاً مرسوماً وأصلاً قاصداً، لا خبط عشواء، ولا نزوة طارئة، ولا حركة مبتورة لا قصد لها ولا غاية. فلا قيمة لعمل مفرد لا يتصل بمنهج، ولا فائدة لحركة مفردة ليست حلقة من سلسلة ذات هدف معلوم.