إن وجود الإنسان وحياته وعمله في نظرة الإسلام موصولة كلها بأصل هذا الكون، وبالناموس الذي يحكمه، والذي يصله كله بالله. بما فيه الإنسان وما يصدر عنه من نشاط. فإذا انفصل الإنسان بحياته عن المحور الرئيسي الذي يربطه ويربط الكون، فإنه يصبح لقي ضائعاً لا وزن له ولا قيمة، ولا تقدير لعمله ولا حساب. بل لا وجود لهذا العمل ولا بقاء.
والإيمان هو الذي يصل الإنسان بربه ؛ فيجعل لعمله قيمة ووزناً، ويجعل له مكانه في حساب هذا الكون وبنائه.
وهكذا تعدم أعمال أولئك المشركين. تعدم إعداماً يصوره التعبير القرآني تلك الصورة الحسية المتخيلة :
﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً ﴾.
وهنا يلتفت إلى الجانب الآخر فإذا المؤمنون أصحاب الجنة ليتم التقابل في المشهد :
﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً ﴾..
فهم مستقرون مستروحون ناعمون في الظلال. والاستقرار هنا يقابل خفة الهباء المنثور. والاطمئنان يقابل الفزع الذي يطلق الاستعاذة في ذهول.
ولقد كان الكفار يقترحون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة. وربما كان ذلك تأثراً بالأساطير الإسرائيلية التي كانت تصور الإله يتراءى لهم في سحابة أو عمود من النار. فهنا يعود ليرسم مشهداً آخر يوم يتحقق اقتراحهم بنزول الملائكة إليهم :
﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام، ونزل الملائكة تنزيلاً. الملك يومئذ الحق للرحمن. و كان يوماً على الكافرين عسيراً ﴾.