وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ اذهبا إِلى القوم الذين كذَّبوا بآياتنا ﴾.
إِن قيل : إِنما عاينوا الآيات بعد [ وجود ] الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟
فالجواب : أنهم كانوا مكذِّبين أنبياءَ الله وكُتُبَه المتقدِّمة، ومن كذَّب نبيّاً فقد كذَّب سائر الأنبياء، ولهذا قال :﴿ وقومَ نُوح لمَّا كذَّبوا الرُسُل ﴾، وقال الزجاج : يجوز ان يكون المرادَ به نوحٌ وحده، وقد ذُكر بلفظ الجنس، كما يقال فلان يركب الدوابّ، وإِن لم يركب إِلا دابّة واحدة ؛ وقد شرحنا هذا في [ هود : ٥٩ ] عند قوله :﴿ وعَصَوا رُسُلَه ﴾ وقد سبق معنى التدمير [ الاعراف : ١٣٧ ].
قوله تعالى :﴿ وأصحابَ الرَّسِّ ﴾ في الرَّسِّ ثلاثة أقوال.
أحدها : أنها بئر كانت تسمى الرَّسِّ، قاله ابن عباس في رواية العوفي.
وقال في رواية عكرمة : هي بئر بأذربيجان.
وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة.
وقال السدي : بئر بأنطاكية.
والثاني : أن الرَّسَّ قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة.
والثالث : أنها المَعْدِن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة.
وفي تسميتها بالرَّسِّ قولان.
أحدهما : أنهم رَسُّوا نبيَّهم في البئر، قاله عكرمة.
قال الزجاج : رَسُّوه، أي دَسُّوه فيها.
والثاني : أن كل رَكِيَّة لم تطو فهي رَسٌّ، قاله ابن قتيبة.
واختلفوا في أصحاب الرَّسِّ على خمسة أقوال.
أحدها : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث الله تعالى إِليهم نبيّاً من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئراً وألقَوه فيها، فهلكوا، قاله عليّ عليه السلام.
والثاني : أنهم قوم كان لهم نبيّ يقال له : حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيَّهم فأهلكهم الله، قاله سعيد بن جبير.
والثالث : أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها، وكانت لهم مواشٍ، وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إِليهم شُعيباً، فتمادَوا في طغيانهم، فانهارت البئر، فخُسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه.


الصفحة التالية
Icon