حجة أبي حنيفة وجوه : أحدها : قوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُوراً﴾ دلت الآية على كون الماء مطهراً والأصل في الثابت بقاؤه، فوجب بقاء هذه الصفة بعد التغير بالمخالطة وثانيها : قوله تعالى :﴿فاغسلوا﴾ [ المائدة : ٦ ] أمر بمطلق الغسل وقد أتى به فوجب أن يخرج عن العهدة وقد بينا تقرير هذا الوجه فيما تقدم وثالثها : قوله تعالى :﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ [ النساء : ٤٣ ] علق جواز التيمم بعدم وجدان الماء وواجد هذا الماء المتغير واجد للماء لأن الماء المتغير ماء مع صفة التغير، والموصوف موجود حال وجود الصفة، فوجب أن لا يجوز له التيمم ورابعها : قوله عليه السلام في البحر :" هو الطهور ماؤه " ظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره، لأن النبي ﷺ أطلق ذلك وخامسها : أنه عليه السلام أباح الوضوء بسؤر الهرة وسؤر الحائض وإن خالطه شيء من لعابهما وسادسها : لا خلاف في الوضوء بماء المدر والسيول مع تغير لونه بمخالطة الطين وما يكون في الصحارى من الحشيش والنبات، ومن أجل مخالطة ذلك له يرى تارة متغيراً إلى السواد وأخرى إلى الحمرة والصفرة فصار ذلك أصلاً في جميع ما خالط الماء إذا لم يغلب عليه فيسلبه اسم الماء القسم الثاني : إذا كان المخالط للماء شيئاً نجساً فمن الناس من زعم أن الماء لا ينجس ما لم يتغير بالنجاسة سواء كان قليلاً أو كثيراً وهو قول الحسن البصري والنخعي ومالك وداود، وإليه مال الشيخ الغزالي في كتاب "الإحياء"، وقال أبو بكر الرازي مذهب أصحابنا أن كل ما تيقنا فيه جزأ من النجاسة أو غلب على الظن ذلك لم يجز استعماله ولا يختلف على هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والراكد والجاري، لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة وكذلك الماء الجاري، وأما اعتبار أصحابنا للغدير الذي إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر،


الصفحة التالية
Icon