هذا تمام الكلام في نصرة قول مالك، واحتج من حكم بنجاسة الماء الذي تقع النجاسة فيه بوجوه : أولها : قوله تعالى :﴿وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ] والنجاسات من الخبائث، وقال تعالى :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم﴾ [ النحل : ١١٥ ]، وقال في الخمر :﴿رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه﴾ [ المائدة : ٩٠ ] ومر عليه السلام بقبرين فقال :" إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إن أحدهما كان لا يستبرىء من البول والآخر كان يمشي بالنميمة " فحرم الله هذه الأشياء تحريماً مطلقاً، ولم يفرق بين حال انفرادها واختلاطها بالماء، فوجب تحريم استعمال كل ما يبقى فيه جزء من النجاسة أكثر ما في الباب أن الدلائل الدالة على كون الماء مطهراً تقتضي جواز الطهارة به، ولكن تلك الدلائل مبيحة والدلائل التي ذكرناها حاظرة والمبيح والحاظر إذا اجتمعا فالغلبة للحاظر، ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما منها مائة جزء وللآخر جزء واحد، أن جهة الحظر فيها أولى من جهة الإباحة، وأنه غير جائز لواحد منهما وطؤها فكذا ههنا وثانيها : قوله عليه السلام :
" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة " ذكره على الإطلاق من غير فرق بين القليل والكثير وثالثها : قوله عليه السلام :" إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها الإناء فإنه لا يدري أين باتت يده " فأمر بغسل اليد احتياطاً من نجاسة قد أصابته من موضع الاستنجاء، ومعلوم أن مثلها إذا أدخلت الماء لم تغيره ولولا أنها تفسده ما كان للأمر بالاحتياط منها معنى ورابعها : قوله عليه السلام :" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً " يدل بمفهومه على أنه إذا لم يبلغ قلتين وجب أن يحمل الخبث.


الصفحة التالية
Icon