وقال أبو حيان :
﴿ وما أرسلناك إلاّ مبشراً ونذيراً ﴾
سلّي نبيه بذلك أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، وإنما أنت رسول تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكفرة بالنار، ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين.
ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم مزيلاً لوجوه التهم بقوله ﴿ قل لا أسألكم عليه من أجر ﴾ أي لا أطلب مالاً ولا نفعاً يختص بي.
والضمير في ﴿ عليه ﴾ عائد على التبشير والإنذار، أو على القرآن، أو على إبلاغ الرسالة أقوال.
والظاهر في ﴿ إلاّ من شاء ﴾ أنه استثناء منقطع وقاله الجمهور.
فعلى هذا قيل بعباده ﴿ لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ﴾ فليفعل.
وقيل : لكن من أنفق في سبيل الله ومجاهدة أعدائه فهو مسؤولي.
وقيل : هو متصل على حذف مضاف تقديره : إلاّ أجر من اتخذ إلى ربه سبيلاً أي إلاّ أجر من آمن أي الأجر الحاصل لي على دعائه إلى الإيمان وقبوله، لأنه تعالى يأجرني على ذلك.
وقيل : إلاّ أجر من آمن من يعني بالأجرة الإنفاق في سبيل الله أي لا أسألكم أجراً إلاّ الإنفاق في سبيل الله، فجعل الإنفاق أجراً.
ولما أخبر أنه فطم نفسه عن سؤالهم شيئاً أمره تعالى تفويض أمره إليه وثقته به واعتماده عليه فهو المتكفل بنصره وإظهار دينه.
ووصف تعالى نفسه بالصفة التي تقتضي التوكل في قوله ﴿ الحي الذي لا يموت ﴾ لأن هذا المعنى يختص به تعالى دون كل حي كما قال ﴿ كل شيء هالك إلاّ وجهه ﴾ وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق، ثم أمره بتنزيهه وتمجيده مقروناً بالثناء عليه لأن التنزيه محله اعتقاد القلب والمدح محله اللسان الموافق للأعتقاد.
وفي الحديث :" من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وهي الكلمتان الخفيفتان على اللسان الثقيلتان في الميزان ".
﴿ وكفى به بذنوب عباده خبيراً ﴾ أراد أنه ليس إليه من أمور عباده شيء آمنوا أم كفروا، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم.