السؤال الثاني : لا وجود للبحر العذب، فكيف ذكره الله تعالى ههنا ؟ لا يقال : هذا مدفوع من وجهين : الأول : أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون الثاني : لعله جعل في البحار موضعاً يكون أحد جانبيه عذباً والآخر ملحاً، لأنا نقول : أما الأول فضعيف لأن هذه الأودية ليس فيها ملح، والبحار ليس فيها ماء عذب، فلم يحصل ألبتة موضع التعجب وأما الثاني فضعيف، لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوماً، فأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال، لأنا نقول المراد من البحر العذب هذه الأودية، ومن الأجاج البحار الكبار، وجعل بينهما برزخاً، أي حائلاً من الأرض، ووجه الاستدلال ههنا بين، لأن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء، فلا بد من الاستواء، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة معينة.
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤) ﴾
واعلم أن هذا هو النوع الخامس من دلائل التوحيد وفيه بحثان :
الأول : ذكروا في هذا الماء قولين : أحدهما : أنه الماء الذي خلق منه أصول الحيوان، وهو الذي عناه بقوله :﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء﴾ [ النور : ٤٥ ] والثاني : أن المراد النطفة لقوله :﴿خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ﴾ [ الطارق : ٦ ]، ﴿مّن مَّاء مَّهِينٍ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ].
البحث الثاني : المعنى أنه تعالى قسم البشر قسمين ذوي نسب، أي ذكوراً ينسب إليهم، فيقال فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، وذوات صهر، أي إناثاً ( يصاهرن ) ونحوه، قوله تعالى :﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى﴾ [ القيامة : ٣٩ ]، ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى.