﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ أي : قل لهم يا محمد : ما أسألكم على القرآن من أجر، أو على تبليغ الرسالة المدلول عليه بالإرسال، والاستثناء في قوله :﴿ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ سَبِيلاً ﴾ منقطع أي : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليفعل، وقيل : هو متصل.
والمعنى : إلاّ من شاء أن يتقرّب إليه سبحانه بالطاعة، وصور ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الحصول.
ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله، وأمره أن لا يطلب منهم أجراً ألبتة، أمره أن يتوكل عليه في دفع المضارّ، وجلب المنافع، فقال :﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ ﴾ وخصّ صفة الحياة إشارة إلى أن الحيّ هو الذي يوثق به في المصالح، ولا حياة على الدوام إلاّ لله سبحانه دون الأحياء المنقطعة حياتهم، فإنهم إذا ماتوا ضاع من يتوكل عليهم، والتوكل : اعتماد العبد على الله في كلّ الأمور ﴿ وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ أي : نزّهه عن صفات النقصان، وقيل : معنى ﴿ سبح ﴾ : صلّ، والصلاة تسمى تسبيحاً ﴿ وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾ أي : حسبك، وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك : كفى بالله رباً، والخبير : المطلع على الأمور بحيث لا يخفى عليه منها شيء، ثم زاد في المبالغة، فقال :﴿ الذى خَلَقَ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ قد تقدّم تفسير هذا في الأعراف، والموصول في محل جرّ على أنه صفة للحيّ، وقال :﴿ بينهما ﴾، ولم يقل : بينهنّ ؛ لأنه أراد النوعين، كما قال القطامي :
ألم يحزنك أن جبال قيس... وتغلب قد تباتتا انقطاعاً


الصفحة التالية
Icon