فإن قيل : يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السماوات، والأرض كما تفيده ثم، فيقال : إن كلمة ثم لم تدخل على خلق العرش بل على رفعه على السموات، والأرض، والرحمن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهو صفة أخرى للحيّ، وقد قرأه الجمهور بالرفع، وقيل : يجوز أن يكون بدلاً من الضمير في ﴿ استوى ﴾، أو يكون مبتدأ وخبره الجملة أي : فاسأل على رأي الأخفش، كما في قول الشاعر :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم... وقرأ زيد بن علي :" الرحمن " بالجرّ على أنه نعت للحيّ، أو للموصول ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ الضمير في به يعود إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض، والاستواء على العرش.
والمعنى : فاسأل بتفاصيل ما ذكر إجمالاً من هذه الأمور.
وقال الزجاج والأخفش : الباء بمعنى عن أي : فاسأل عنه، كقوله ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [ المعارج : ١ ] وقول عنترة بن شداد :
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك... إن كنت جاهلة بما لم تعلم
وقال علقمة بن عبده :
فإن تسألوني بالنساء فإنني... خبير بأدواء النساء طبيب
والمراد بالخبير : الله سبحانه ؛ لأنه لا يعلم تفاصيل تلك المخلوقات إلاّ هو، ومن هذا قول العرب : لو لقيت فلاناً للقيك به الأسد أي : للقيك بلقائك إياه الأسد، فخبيراً منتصب على المفعولية، أو على الحال المؤكدة، واستضعف الحالية أبو البقاء، فقال : يضعف أن يكون ﴿ خبيراً ﴾ حالاً من فاعل اسأل، لأن الخبير لا يسأل إلاّ على جهة التوكيد، كقوله :﴿ وَهُوَ الحق مُصَدّقًا ﴾ [ البقرة : ٩١ ] قال : ويجوز أن يكون حالاً من الرحمن إذا رفعته باستوى.
وقال ابن جرير : يجوز أن تكون الباء في به زائدة.
والمعنى : فاسأله حال كونه خبيراً.
وقيل : قوله :" به " يجري مجرى القسم كقوله :﴿ واتقوا الله الذي تَسَاءلُونَ بِهِ ﴾ [ النساء : ١ ]، والوجه الأوّل أقرب هذه الوجوه.