وهذا الهَوْن ناشىء عن التواضع لله تعالى والتخلُّق بآداب النفس العالية وزوال بطر أهل الجاهلية فكانت هذه المشية من خلال الذين آمنوا على الضد من مشي أهل الجاهلية.
وعن عمر بن الخطاب أنه رأى غلاماً يتبختر في مِشيته فقال له "إن البخترة مِشية تُكْره إلا في سبيل الله".
وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله سبحانه ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ﴾ فاقْصِدْ في مِشيتِك، وحكى الله تعالى عن لقمان قولَه لابنه ﴿ ولا تَمْششِ في الأرض مرَحاً ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ].
والتخلّق بهذا الخلق مظهر من مظاهر التخلق بالرحمة المناسب لعباد الرحمان لأن الرحمة ضد الشدة، فالهوْن يناسب ماهيتَها وفيه سلامة من صدم المارين.
وعن زيد بن أسلم قال : كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى :﴿ الذين يمشون على الأرض هوناً ﴾ فما وجدت في ذلك شفاء فرأيت في المنام من جاءني فقال لي :"هُم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض".
فهذا رأي لزيد بن أسلم أُلهمه يجعل معنى ﴿ يمشون على الأرض ﴾ أنه استعارة للعمل في الأرض كقوله تعالى ﴿ وإذا تولّى سعى في الأرض لِيُفْسِد فيها ﴾ [ البقرة : ٢٠٥ ] وأن الهوْن مستعار لفعل الخير لأنه هون على الناس كما يسمى بالمعروف.
وقُرن وصفهم بالتواضع في سمتهم وهو المشي على الأرض هوْناً بوصف آخر يناسب التواضع وكراهيةَ التطاول وهو متاركة الذين يجهلون عليهم في الخطاب بالأذى والشتم وهؤلاء الجاهلون يومئذ هم المشركون إذ كانوا يتعرضون للمسلمين بالأذى والشتم فعلمهم الله متاركة السفهاء، فالجهل هنا ضد الحلم، وذلك أشهر إطلاقاته عند العرب قبل الإسلام وذلك معلوم في كثير من الشعر والنثر.
وانتصب ﴿ سلاماً ﴾ على المفعولية المطلقة.
وذكرهم بصفة الجاهلين دون غيرها مما هو أشد مذمّةً مثل الكافرين لأن هذا الوصف يُشعر بأن الخطاب الصادر منهم خطاب الجهالة والجفوة.