و ( السلام ) يجوز أن يكون مصدراً بمعنى السلامة، أي لا خير بيننا ولا شرّ فنحن مُسلمون منكم.
ويجوز أن يكون مراداً به لفظ التحية فيكون مستعملاً في لازمه وهو المتارَكة لأن أصل استعمال لفظ السلام في التحيةِ أنه يؤذن بالتأمين، أي عدم لإهاجة، والتأمين : أول ما يلقى به المرء من يريد إكرامَه، فتكون الآية في معنى قوله
﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٥ ].
قال ابن عطية : وأريت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي وكان من المائلين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال يوماً بحضرة المأمون وعنده جماعة : كنت أرى علي بن أبي طالب في النوم فكنت أقول له : من أنت؟ فكان يقول : عليٌّ بن أبي طالب، فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عُبورها فكنت أقول : إنما تَدَّعي هذا الأمر بامرأةٍ ونحن أحق به منك، فما رأيت له في الجواب بلاغةً كما يُذكر عنه، قال المأمون : وبماذا جاوبك؟ قال : فكان يقول لي : سَلاماً.
قال الراوي : فكأنَّ إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبتْ عنه في ذلك الوقت، فنبه المأمونُ على الآية من حضره وقال : هو والله يا عمّ عليّ بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب، فخُزي إبراهيم واستحيا.
ولأجل المناسبة بين الصيغتين عطفت هذه على الصلة الأولى.
ولم يكرر اسم الموصول كما كرر في الصفات بعدها.
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)
عطف صفة أخرى على صفتيهم السابقتين على حدّ قول الشاعر:
إلى الملِك القرم وابن الهمام...
وليث الكتيبة في المُزدحم
وإعادة الموصول لتأكيد أنهم يُعرفون بهذه الصلة، والظاهر أن هذه الموصولات وصلاتها كلها أخبار أو أوصاف لعباد الرحمان.