وأظهر أوجه الإعراب عندي في الآية هو ما ذكره القرطبي، قال : وقواماً خبر كان واسمها مقدر فيها أي كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قواماً، ثم قال قاله الفراء، وباقي أوجه الإعراب في الآية ليس بوجيه عندي كقول من قال : إن لفظة بين هي اسم كان، وأنها لم ترفع لبنائها بسبب إضافتها إلى مبني، وقول من قال : إن بين هي خبر كان، وقواماً حال مؤكدة له ومن قال إنهما خبران كل ذلك ليس بوجيه عندي، والأظهر الأول. والظاهر أن التوسط في الإنفاق الذي مدحهم به شامل لإنفاقهم على أهليهم، وإنفاقهم المال في أوجه الخير.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع، فمن ذلك أن الله أوصى نبيه ﷺ بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط ﴾ [ الإسراء : ٢٩ ] الآية، ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾ [ الإسراء : ٢٦ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] الآية. على أصح التفسيرين.
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في أول سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ].
مسألة
هذه الآية الكريمة التي هي قوله تعالى :﴿ والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ﴾ الآية والآيات التي ذكرناها معها، قد بينت أحد ركني ما يسمى الآن بالاقتصاد.
وإيضاح ذلك أنه لا خلاف بين العقلاء أن جميع مسائل الاقتصاد على كثرتها واختلاف أنواعها راجعة بالتقسيم الأول إلى أصلين لا ثالث لهما.