والثاني منهما : صرفه من مصارفه، وبه تعلم أن الاقتصاد عمل مزدوج، ولا فائدة في واحد من الأصلين المذكورين إلا بوجود الآخر، فلو كان الإنسان أحسن الناس نظراً في أوجه اكتساب المال إلا أنه أخرق جاهل بأوجه صرفه، فإن جميع ما حصل من المال يضيع عليه بدون فائدة، وكذلك إذا كان الإنسان أحسن الناس نظراً في صرف المال في مصارفه المنتجة إلا أنه أخرق جاهل بأوجه اكتسابه. فإنه لا ينفعه حسن نظره في الصرف مع أنه لم يقدر على تحصيل شيء يصرفه. والآيات المذكورة أرشدت الناس ونبهتهم على الاقتصاد في الصرف.
وإذا علمت أن مسائل الاقتصاد كلها راجعة إلى الأصلين المذكورين، وأن الآيات المذكورة دلت على أحدهما فاعلم أن الآخر منهما هو اكتساب المال أرشدت إليه آيات أخر دلت على فتح الله الأبواب إلى اكتساب المال بالأوجه اللائقة، كالتجارات، وغيرها كقوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ]، وقوله تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾ [ الجمعة : ١٠ ]، وقوله تعالى :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله ﴾ [ المزمل : ٢٠ ]، والمراد بفضل الله في الآيات المذكورة ربح التجارة، وكقوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ]، وقد قدمنا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى :﴿ فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة ﴾ [ الكهف : ١٩ ] الآية. أنواع الشركات، وأسماءها، وبينا ما يجوز عند الأئمة الأربعة وأوضحنا ما اتفقوا على منعه، وما اتفقوا على جوازه، وما اختلفوا فيه، وبه تعلم كثرة الطرق التي فتحها الله لاكتساب المال بالأوجه الشرعية اللائقة.


الصفحة التالية
Icon