وإذا علمت مما ذكرنا أن جميع مسائل الاقتصاد راجعة إلى أصلين هما اكتساب المال وصرفه في مصارفه. فاعلم أن كل واحد من هذين الأصلين، لا بد له من أمرين ضروريين له :
الأول منهما : معرفة حكم الله فيه، لأن الله جل وعلا لم يبح اكتساب المال بجميع الطرق التي يكتسب بها المال، بل أباح بعض الطرق، وحرم بعضها كما قال تعالى :﴿ وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ]، ولم يبح الله جل وعلا، وصرف المال في كل شيء بل أباح بعض الصرف وحرم بعضه، كما قال تعالى :﴿ مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ﴾ [ البقرة : ٢٦١ ] الآية. وقال تعالى في الصرف الحرام :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾ [ الأنفال : ٣٦ ] الآيةن فمعرفة حكم الله في اكتساب المال وفي صرفه في مصارفه أمر ضروري لا بد منه، لأن من لم يعلم ذلك قد يكتسب المال من وجه حرام، والمال الكمتسب من وجه حرام، لا خير فيه البتة، وقد يصرف المال في وجه حرام، وصرفه في ذلك حسرة على صاحبه.
الأمر الثاني : هو معرفة الطريق الكفيلة باكتساب المال، فقد يعلم الإنسان مثلاً أن التجارة في النوع الفلاني مباحة شرعاً، ولكنه لا يعلم أوجه التصرف بالمصلحة الكفيلة بتحصيل المالن من ذلك الوجه الشرعي، وكم من متصرف يريد الربح، فيعود عليه تصرفه بالخسران، لعدم معرفته بالأوجه التي يحصل بها الربح. وكذلك قد يعلم الإنسان أن الصرف في الشيء الفلاني مباح، وفيه مصلحة، ولكنه لا يهتدي إلى معرفة الصرف المذكور، كما هو مشاهد في المشاريع الكثيرة النفع إن صرف فيها المال بالحكمة والمصلحة، فإن جواز الصرف فيها معلوم، وإيقاع الصرف على وجه المصلحة، لا يعلمه كل الناس.