هذا القول يناسب عباد الرحمن الذين يفعلون الخيرات، طمعاً في الثواب، وخوفاً من العقاب، فهم الذين يقولون ﴿ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ] كلمة ( غرام ) نقولها بمعنى الحب والُهيَام والعشق، ومعناها : اللزوم، أي لازم لهم لا ينفك عنهم في النار أبداً ؛ لأن العاقبة إما جنة أبداً، أو نار أبداً.
فمعنى ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ] أي : لازماً دائماً، ليس مرة واحدة وتنتهي المسألة.
ومنه كلمة ( الغريم )، وهو الذي يلازم المدين ليأخذ منه دَيْنه.
وكلمة ﴿ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾ [ الفرقان : ٦٥ ] كأنهم متصورون أن جهنم ستسعى إليهم، وأن بينها وبينهم لدداً، بدليل أنها ستقول :﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [ ق : ٣٠ ].
ثم تذكر الآيات سبب هذه المقوله :﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾
ساء الشيء أي : قَبُحَ، وضده حَسُن، لذلك قال تعالى عن الجنة في مقابل هذه الآية :﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [ الفرقان : ٧٦ ] وهكذا السوء يلازمه القُبْح، والحُسْن يلازمه الحُسْن.
وقال :﴿ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٦ ] حتى لا يظنوا أن النار فترة وتنتهي، ثم يخرجون منها، فهي مستقرهم الدائم، ومُقامهم الذي لا يفارقونه.
أو أن الحق سبحانه وتعالى أراد بهذا نوعين من الناس : مؤمن أسرف في بعض السيئات ولم يتُبْ، أو لم يتقبل الله منه توبته، فهو في النار لحين، والمستقر هنا بمعنى المكان المؤقت، أما المقام فهو الطويل.
إذن : النار ساءتْ مستقراً لمن أسرف على نفسه ولم يتُبْ، أو لم يتقبل الله توبته، إنما ليست إقامة دائمة، والمقام يكون للخالدين فيها أبداً.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ ﴾


الصفحة التالية
Icon