وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾
لما ذكر جهالات المشركين وطعنهم في القرآن والنبوة ذكر عباده المؤمنين أيضاً وذكر صفاتهم، وأضافهم إلى عبوديته تشريفاً لهم، كما قال :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ [ الإسراء : ١ ] وقد تقدّم.
فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق اسم العبودية، ومن كان بعكس هذا شمله قوله تعالى :﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] يعني في عدم الاعتبار ؛ كما تقدّم في "الأعراف".
وكأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض، فحذف هم ؛ كقولك : زيد الأمير، أي زيد هو الأمير.
ف ﴿ الَّذِينَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف ؛ قاله الأخفش.
وقيل : الخبر قوله في آخر السورة :﴿ أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ ﴾ وما بين المبتدأ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها ؛ قاله الزجاج.
قال : ويجوز أن يكون الخبر ﴿ الذين يَمْشُونَ على الأرض ﴾.
و﴿ يَمْشُونَ ﴾ عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك العظم، لا سيما وفي ذلك الانتقال في الأرض ؛ وهو معاشرة الناس وخلطتهم.
قوله تعالى :﴿ هَوْناً ﴾ الهون مصدر الهيِّن وهو من السكينة والوقار.
وفي "التفسير" : يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد.
والقصد والتؤدة وحسن السَّمْت من أخلاق النبوة.
وقال ﷺ :" أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الإيضاع " وروي في صفته ﷺ أنه كان إذا زال زال تقلعاً، ويخطو تكفؤاً، ويمشي هوناً، ذرِيع المِشية إذا مشى كأنما ينحط من صَبَب.
التقلع، رفع الرجل بقوّة والتكفؤ : الميل إلى سنن المشي وقصده.
والهون الرفق والوقار.
والذريع الواسع الخطا ؛ أي أن مشيه كان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه ؛ خلاف مِشية المختال، ويقصد سمته ؛ وكل ذلك برفق وتثبت بدون عجلة.