ابن العربيّ : لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلّموا على المشركين ولا نُهوا عن ذلك، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحييهم ويدانيهم، ولا يداهنهم.
وقد اتفق الناس على أن السفيه من المؤمنين إذا جفاك يجوز أن تقول له سلام عليك.
قلت : هذا القول أشبه بدلائل السنة.
وقد بيّنا في سورة "مريم" اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفار، فلا حاجة إلى دعوى النسخ ؛ والله أعلم.
وقد ذكر النضر بن شميل قال حدثني الخليل قال : أتيت أبا ربيعة الأعرابيّ وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فلما سلمنا ردّ علينا السلام وقال لنا : استووا.
وبقينا متحيرين ولم ندر ما قال.
فقال لنا أعرابيّ إلى جنبه : أمركم أن ترتفعوا.
قال الخليل : هو من قول الله عز وجل :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ [ فصلت : ١١ ] فصعدنا إليه فقال : هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلنا : الساعة فارقناه.
فقال سلاماً.
فلم ندر ما قال.
قال فقال الأعرابيّ : إنه سألكم متاركة لا خير فيها ولا شر.
فقال الخليل : هو من قول الله عز وجل :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾.
قال ابن عطية : ورأيت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهديّ وكان من المائلين على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال يوماً بحضرة المأمون وعنده جماعة : كنت أرى عليّ بن أبي طالب في النوم فكنت أقول له من أنت؟ فكان يقول : عليّ بن أبي طالب.
فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عبورها.
فكنت أقول : إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك.
فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه.
قال المأمون : وبماذا جاوبك؟ قال : فكان يقول لي سلاماً.
قال الراوي : فكأن إبراهيم بن المهديّ لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت.


الصفحة التالية
Icon