وهو عليه السلام الصدر في هذه الآية وقوله عليه السلام :" من مشى منكم في طمع فليمش رويداً " أراد في عمر نفسه ولم يرد المشي وحده ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط حتى قال فيهم الشاعر :
كلهم يمشي رويدا...
كلهم يطلب صيدا
وقال الزهري : سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه، يريد الإسراع الخفيف لأنه يخل بالوقار والخير في التوسط.
وقال زيد بن أسلم : أنه رأى في النوم من فسر له ﴿ الذين يمشون على الأرض هوناً ﴾ بأنهم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
وقال عياض بن موسى : كان عليه السلام يرفع في مشيه رجليه بسرعة وعَدْوِ خطوة خلاف مشية المختال، ويقصد سمته وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة كما قال :" إنما ينحط من صبب " وكان عمر يسرع جبلة لا تكلفاً.
﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون ﴾ أي مما لا يسوغ الخطاب به ﴿ قالوا سلاماً ﴾ أي سلام توديع لا تحية كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه ﴿ سلام عليك ﴾ قاله الأصم.
وقال مجاهد : قولاً سديداً فهو منصوب بقالوا.
وقيل : هو على إضمار فعل تقديره سلمنا ﴿ سلاماً ﴾ فهو جزء من متعلق الجملة المحكية.
قال ابن عطية : والذي أقوله أن ﴿ قالوا ﴾ هو العامل في ﴿ سلاماً ﴾ لأن المعنى قالوا هذا اللفظ.
وقال الزمخشري : تسلماً منكم فأقيم السلام مقام التسليم.
وقيل : قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى والإثم والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الرغبة من قوله :
ألا لا يجهلن أحد علينا...
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
انتهى.
وقال الكلبي : وأبو العالية نسختها آية القتال.
وقال ابن عطية : وهذه الآية كانت قبل آية السيف فنسخ منها ما يخص الكفرة وبقي حكمها في المسلمين إلى يوم القيامة، وذكره سيبويه في هذه الآية في كتابه وما تكلم على نسخ سواه.
ورجح به أنه المراد السلامة لا التسليم لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة، والآية مكية فنسختها آية السيف.


الصفحة التالية
Icon