و قال بعض الحكماء لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم، لقالوا من التخم، وكثير من الناس لا يرون المرض إلا مرض الموت ويكون أيضا ممّا ذكر إلا القتل أو التردي أو التسمم والحرق والغرق وشبهه، وكل ذلك بتقدير اللّه تعالى وإرادته ليقع قضاؤه حيث قدره، وقد راعى عليه السّلام حسن الأدب بهذا وبغيره، حتى أنه لم يقل أمرضني، ولا آدب من الأنبياء، لأن الذي نبأهم هذّبهم "فَهُوَ يَشْفِينِ" ٨٠ لأن الشفاء نعمة منه والمنعم بكل النعم هو اللّه وحده، وهكذا الخلص ينسبون الخير إلى اللّه والشرّ لأنفسهم، قال الخضر عليه السّلام (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) وقال (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما الآيتين) ٨٠ و٨١ من سورة الكهف في ج ٢ ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٧٨ من سورة النساء في ج ٣ وكذلك مؤمنو الجن راعوا الأدب مع ربهم، راجع الآية ١٠ من سورة الجن المارة فما بعدها "وَالَّذِي يُمِيتُنِي" بانقضاء أجلي في الدنيا، ولا يرد إسناد الموت للّه على ما قلنا، لأن الفرق ظاهر ولأن الموت قضاء محتم لا بد منه "ثُمَّ يُحْيِينِ" ٨١ في الآخرة وهذا تعليم لهم بالاعتراف بالبعث بعد الموت
"وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي" هي قوله لقومه حين أرادوه أن يذهب معهم إلى بيت الأوثان (إِنِّي سَقِيمٌ) الآية ٩٠ من الصافات في ج ٢ وقوله حينما سألوه عمن كسر أصنامهم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) الآية ٦٢ من الأنبياء في ج ٢ وقوله للجبار حين سأله عن سارة (قال أختي) وأراد أخته في الدين وإلا فهي زوجته، وقد عدها خطايا بالنسبة لمقامه الشريف وقربه من ربه، وإلا فليست بخطايا وانما هي من معاريض الكلام لدى غير الأنبياء، وقد يعدها العارفون الكاملون خطايا أيضا بالنسبة لمقامهم، لأنهم على قدم الأنبياء، وعلى حد حسنات الأبرار سيئات المقربين، وهؤلاء يسمون أمثالها خطايا تواضعا لربهم وتعظيما