أما قوله تعالى :﴿فَأَرْسِلْ إلى هارون﴾ فليس في الظاهر ذكر من الذي يرسل إليه، وفي الخبر أن الله تعالى أرسل موسى عليه السلام إليه، قال السدي : إن موسى عليه السلام سار بأهله إلى مصر والتقى بهرون وهو لا يعرفه، فقال أنا موسى، فتعارفا وأمره أن ينطلق معه إلى فرعون لأداء الرسالة، فصاحت أمهما لخوفهما عليهما فذهبا إليه، ويحتمل أن يكون المراد أرسل إليه جبريل، لأن رسول الله إلى الأنبياء جبريل عليه السلام، فلما كان هو متعيناً لهذا الأمر حذف ذكره لكونه معلوماً، وأيضاً ليس في الظاهر أنه يرسل لماذا، لكن فحوى الكلام يدل على أنه طلبه للمعونة فيما سأل، كما يقال إذا نابتك نائبة، فأرسل إلى فلان أي ليعينك فيها وليس في الظاهر أنه التمس كون هرون نبياً معه، لكن قوله :﴿فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين﴾ يدل عليه.
أما قوله :﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾ فأراد بالذنب قتله القبطي، وقد ذكر الله تعالى هذه القصة مشروحة في سورة القصص.
واعلم أنه ليس في التماس موسى عليه السلام، أن يضم إليه هرون ما يدل على أنه استعفى من الذهاب إلى فرعون بل مقصوده فيما سأل أن يقع ذلك الذهاب على أقوى الوجوه في الوصول إلى المراد، واختلفوا فقال بعضهم إنه وإن كان نبياً فهو غير عالم بأنه يبقى حتى يؤدي الرسالة لأنه إنما أمر بذلك بشرط التمكين، وهذا قول الكعبي وغيره من البغداديين لأنهم يجوزون دخول الشرط في تكليف الله تعالى العبد، والذي ذهب إليه الأكثرون أن ذلك لا يجوز لأنه تعالى إذا أمر فهو عالم بما يتمكن منه المأمور وبأوقات تمكنه، فإذا علم أنه غير متمكن منه فإنه لا يأمره به، وإذا صح ذلك فالأقرب في الأنبياء أنهم يعلمون إذا حملهم الله تعالى الرسالة أنه تعالى يمكنهم من أدائها وأنهم سيبقون إلى ذلك الوقت، ومثل ذلك لا يكون إغراء في الأنبياء وإن جاز أن يكون إغراء في غيرهم.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon