نظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الكهف ( ٦ ) :﴿فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ﴾ وقوله :﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات﴾ [ فاطر : ٨ ].
﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) ﴾
المسألة الأولى :
قوله :﴿وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرحمن مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ من تمام قوله :﴿إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ﴾ [ الشعراء : ٤ ] فنبه تعالى على أنه مع قدرته على أن يجعلهم مؤمنين بالإلجاء رحيم بهم من حيث يأتيهم حالاً بعد حال بالقرآن، وهو الذكر ويكرره عليهم وهم مع ذلك على حد واحد في الإعراض والتكذيب والاستهزاء، ثم عند ذلك زجر وتوعد لأن المرء إذا استمر على كفره فليس ينفع فيه إلا الزجر الشديد فلذلك قال :﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ﴾ أي بلغوا النهاية في رد آيات الله تعالى ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أنباؤا مَا كَانُواْ به يستهزئون﴾ وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا أو عند المعاينة أو في الآخرة، فهو كقوله تعالى :﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ﴾ [ ص : ٨٨ ] وقد جرت العادة فيمن يسيء أن يقال له سترى حالك من بعد على وجه الوعيد، ثم إنه تعالى بين أنه مع إنزاله القرآن حالاً بعد حال قد أظهر أدلة تحدث حالاً بعد حال فقال :﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ والزوج هو الصنف ( من النبات ) والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، يقال وجه كريم إذا كان مرضياً في حسنه وجماله.


الصفحة التالية
Icon