فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) ﴾
أي هل تستجيز أن تسجنني مع اقتداري على أن آتيك بأمر بين في باب الدلالة على وجود الله تعالى وعلى أني رسوله ؟ فعند ذلك قال :﴿فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ وههنا فروع : الفرع الأول : الآية تدل على أنه تعالى ليس بجسم لأنه لو كان جسماً وله صورة لكان جواب موسى عليه السلام بذكر حقيقته ولكان كلام فرعون لازماً له لعدوله عن الجواب الحق الثاني : الواجب على من يدعو غيره إلى الله تعالى أن لا يجيب عن السفاهة لأن موسى عليه السلام لما قال له فرعون إنه مجنون لم يعدل عن ذكر الدلالة وكذلك لما توعده أن يسجنه الثالث : أنه يجوز للمسؤول أن يعدل في حجته من مثال إلى مثال لإيضاح الكلام ولا يدل ذلك على الانقطاع الرابع : إن قيل : كيف قطع الكلام بما لا تعلق له بالأول وهو قوله :﴿أَوْ لَوْ جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ﴾ والمعجز لا يدل على الله تعالى كدلالة سائر ما تقدم ؟ قلنا بل يدل ما أراد أن يظهره من انقلاب العصا حية على الله تعالى وعلى توحيده، وعلى أنه صادق في الرسالة فالذي ختم به كلامه أقوى من كل ما تقدم وأجمع الخامس : فإن قيل كيف قال :﴿رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ على التثنية والمرجوع إليه مجموع ؟ جوابه أريد ما بين الجهتين، فإن قيل : ذكر السموات والأرض وما بينهما قد استوعب الخلائق كلهم، فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب ؟ جوابه : قد عمم أولاً ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب الأشياء من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من انتقاله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته من حالة إلى حالة أخرى، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها على تقدير مستقيم في فصول السنة من أظهر الدلائل


الصفحة التالية
Icon