وقد قيل : إن المعنى : معنا سلاح وليس معهم سلاح يحرضهم على القتال ؛ فأما ﴿ حادِرون ﴾ بالدال المهملة فمشتق من قولهم عين حَدْرة أي ممتلئة ؛ أي نحن ممتلئون غيظاً عليهم ؛ ومنه قول الشاعر :
وعينٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ...
شُقَّتْ مآقيهمَا مِنْ أُخَرْ
وحكى أهل اللغة أنه يقال : رجل حادِرٌ إذا كان ممتلىء اللحم ؛ فيجوز أن يكون المعنى الامتلاء من السلاح.
المهدوي : الحادر القويّ الشديد.
قوله تعالى :﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ يعني من أرض مصر.
وعن عبد الله بن عمرو قال : كانت الجنات بحافتي النيل في الشّقتين جميعاً من أسوان إلى رشيد، وبين الجنات زروع.
والنيل سبعة خلجان : خليج الإسكندرية، وخليج سَخا، وخليج دمياط، وخليج سَرْدُوس، وخليج مَنْف، وخليج الفيوم، وخليج المَنْهَى متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، والزروع ما بين الخلجان كلها.
وكانت أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعاً بما دبّروا وقدّروا من قناطرها وجسورها وخلجانها ؛ ولذلك سمي النيل إذا غلق ستة عشر ذراعاً نيل السلطان، ويُخَلع على ابن أبي الردّاد ؛ وهذه الحال مستمرّة إلى الآن.
وإنما قيل نيل السلطان لأنه حينئذٍ يجب الخراج على الناس.
وكانت أرض مصر جميعها تروى من إصبع واحدة من سبعة عشر ذراعاً، وكانت إذا غلق النيل سبعة عشر ذراعاً ونودي عليه إصبع واحد من ثمانية عشر ذراعاً، ازداد في خراجها ألف ألف دينار.
فإذا خرج عن ذلك ونودي عليه إصبعاً واحداً من تسعة عشر ذراعاً نقص خراجها ألف ألف دينار.
وسبب هذا ما كان ينصرف في المصالح والخلجان والجسور والاهتمام بعمارتها.
فأما الآن فإن أكثرها لا يروى حتى ينادى إصبع من تسعة عشر ذراعاً بمقياس مصر.
وأما أعمال الصعيد الأعلى، فإن بها ما لا يتكامل ريّه إلا بعد دخول الماء في الذراع الثاني والعشرين بالصعيد الأعلى.