البحث الثاني : أنه تعالى أضاف ذلك الإزلاف إلى نفسه مع أن اجتماعهم هنالك في طلب موسى كفر أجاب الجبائي عنه من وجهين : الأول : أن قوم فرعون تبعوا بني إسرائيل وبنو إسرائيل إنما فعلوا ذلك بأمر الله تعالى فلما كان مسيرهم بتدبيره وهؤلاء تبعوا ذلك أضافه إلى نفسه توسعاً وهذا كما يتعب أحدنا في طلب غلام له فيجوز أن يقول أتعبني الغلام لما حدث ذلك فعله الثاني : قيل :﴿العظيم وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الأخرين﴾ أي أزلفناهم إلى الموت لأجل أنهم في ذلك الوقت قربوا من أجلهم وأنشد :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت.. فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
وأجاب الكعبي عنه من وجهين : الأول : أنه تعالى لما حلم عنهم، وترك البحر لهم يبساً وطمعوا في عبوره جازت الإضافة كالرجل يسفه عليه صاحبه مراراً فيحلم عنه، فإذا تمادى في غيه وأراه قدرته عليه قال له أنا أحوجتك إلى هذا وصيرتك إليه بحلمي، لا يريد بذلك أنه أراد ما فعل الثاني : يحتمل أنه أزلفهم أي جمعهم ليغرقهم عند ذلك ولكي لا يصلوا إلى موسى وقومه والجواب : عن الأول أن الذي فعله بنو إسرائيل هل له أثر في استجلاب داعية قوم فرعون إلى الذهاب خلفهم أوليس له أثر فيه فإن كان الأول فقد حصل المقصود لأن لفعل الله تعالى أثراً في حصول الداعية المستلزمة لذلك الإزلاف، وإن لم يكن له فيه أثر ألبتة فقد زال التعلق فوجب أن لا تحسن الإضافة، وأما إذا تعب أحدنا في طلب غلام له، فإنما يجوز أن يقول أتعبني ذلك الغلام لما أن فعل ذلك الغلام صار كالمؤثر في حصول ذلك التعب لأنه متى فعل ذلك الفعل فالظاهر أنه يصير معلوماً للسيد، ومتى علمه صار علمه داعياً له إلى ذلك التعب ومؤثراً فيه فصحت الإضافة.