وبالجملة فعندنا القادر لا يمكنه الفعل إلا بالداعي فالداعي مؤثر في صيرورة القادر مؤثراً في ذلك الفعل فلا جرم حسنت الإضافة والجواب : عن الثاني وهو أنه أزلفهم ليغرقهم فهو أنه تعالى ما أزلفهم بل هم بأنفسهم ازدلفوا ثم حصل الغرق بعده، فكيف يجوز إضافة هذا الإزلاف إلى الله تعالى ؟ أما على قولنا فإنه جائز لأنه تعالى هو الذي خلق الداعية المستعقبة لذلك الازدلاف والجواب : عن الثالث وهو أن حلمه تعالى عنهم وحملهم على ذلك، فنقول ذلك الحلم هل له أثر في استجلاب هذه الداعية أم لا ؟ وباقي التقرير كما تقدم والجواب : عن الرابع هو بعينه الجواب عن الثاني، والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين﴾ فالمعنى أنه تعالى جعل البحر يبساً في حق موسى وقومه حتى خرجوا منه وأغرق فرعون وقومه لأنه لما تكامل دخولهم البحر انطبق الماء عليهم فغرقوا في ذلك الماء.
أما قوله تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً﴾ فالمعنى أن الذي حدث في البحر آية عجيبة من الآيات العظام الدالة على قدرته لأن أحداً من البشر لا يقدر عليه وعلى حكمته من حيث وقع ما كان مصلحة في الدين والدنيا، وعلى صدق موسى عليه السلام من حيث كان معجزة له، وعلى اعتبار المعتبرين به أبداً فيصير تحذيراً من الإقدام على مخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله، ويكون فيه اعتبار لمحمد ﷺ، فإنه قال عقيب ذلك :﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ وفي ذلك تسلية له فقد كان يغتم بتكذيب قومه مع ظهور المعجزات عليه فنبهه الله تعالى بهذا الذكر على أن له أسوة بموسى وغيره، فإن الذي ظهر على موسى من هذه المعجزات العظام التي تبهر العقول لم يمنع من أن أكثرهم كذبوه وكفروا به مع مشاهدتهم لما شاهدوه في البحر وغيره.


الصفحة التالية
Icon