فصل
قال الفخر :
أما قوله :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾
ففيه أسئلة :
السؤال الأول : كيف يكون الصنم عدواً مع أنه جماد ؟ جوابه من وجهين :(١)
أحدهما : أنه تعالى قال في سورة مريم ( ٨٢ ) في صفة الأوثان ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ فقيل في تفسيره إن الله يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يقع منهم التوبيخ لهم والبراءة منهم، فعلى هذا الوجه أن الأوثان ستصير أعداء لهؤلاء الكفار في الآخرة فأطلق إبراهيم عليه السلام لفظ العداوة عليهم على هذا التأويل وثانيها : أن الكفار لما عبدوها وعظموها ورجوها في طلب المنافع ودفع المضار نزلت منزلة الأحياء العقلاء في اعتقاد الكفار، ثم إنها صارت أسباباً لانقطاع الإنسان عن السعادة ووصوله إلى الشقاوة، فلما نزلت هذه الأصنام منزلة الأحياء وجرت مجرى الدافع للمنفعة والجالب للمضرة لا جرم جرت مجرى الأعداء، فلا جرم أطلق إبراهيم عليه السلام عليها لفظ العدو
وثالثها : المراد في قوله :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى﴾ عداوة من يعبدها، فإن قيل فلم لم يقل إن من يعبد الأصنام عدو لي ليكون الكلام حقيقة ؟ جوابه : لأن الذي تقدم ذكره ما عبدوه دون العابدين.
السؤال الثاني : لم قال :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى﴾ ولم يقل فإنها عدو لكم ؟ جوابه : أنه عليه السلام صور المسألة في نفسه على معنى إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها، ( وآثرت عبادة من الخير كله منه ) وأراهم ( بذلك ) أنها نصيحة نصح بها نفسه، فإذا تفكروا قالوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، فيكون ذلك أدعى للقبول.
السؤال الثالث : لم لم يقل فإنهم أعدائي ؟ جوابه العدو والصديق يجيئان في معنى الواحد والجماعة، قال :
وقوم عليَّ ذوي ( مرة ).. أراهم عدواً وكانوا صديقاً
(١) الصواب أن يقال : من وجوه لا من وجهين، لأن الوجوه التي ذكرها ثلاثة، ولعل الخطأ من الناسخ.