وأما وصفه نفسه فذاك بأمرين : أحدهما : قوله :﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ وذلك لأنه كان فيهم مشهوراً بالأمانة كمحمد ﷺ في قريش فكأنه قال كنت أميناً من قبل، فكيف تتهموني اليوم ؟ وثانيهما : قوله :﴿وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي على ما أنا فيه من ادعاء الرسالة لئلا يظن به أنه دعاهم للرغبة، فإن قيل : ولماذا كرر الأمر بالتقوى ؟ جوابه : لأنه في الأول أراد ألا تتقون مخالفتي وأنا رسول الله، وفي الثاني : ألا تتقون مخالفتي ولست آخذ منكم أجراً فهو في المعنى مختلف ولا تكرار فيه، وقد يقول الرجل لغيره : ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيراً! ألا تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيراً، وإنما قدم الأمر بتقوى الله تعالى على الأمر بطاعته، لأن تقوى الله علة لطاعته فقدم العلة على المعلول، ثم إن نوحاً عليه السلام لما قال لهم ذلك أجابوه بقولهم :﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون ﴾.
قال صاحب "الكشاف" : وقرى ﴿وأتباعك الأرذلون﴾ جمع تابع كشاهد وأشهاد أو جمع تبع كبطل وأبطال والواو للحال وحقها أن يضمر بعدها قد في ﴿واتبعك﴾ وقد جمع أرذال على الصحة وعلى التكسير في قولهم :﴿الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ [ هود : ٢٧ ] والرذالة الخسة، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل كانوا من أهل الصناعات الخسيسة كالحياكة والحجامة.


الصفحة التالية
Icon