واعلم أن هذه الشبهة في نهاية الركاكة، لأن نوحاً عليه السلام بعث إلى الخلق كافة، فلا يختلف الحال في ذلك بسبب الفقر والغنى وشرف المكاسب ودناءتها، فأجابهم نوع عليه السلام بالجواب الحق وهو قوله :﴿وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وهذا الكلام يدل على أنهم نسبوهم مع ذلك إلى أنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما آمنوا بالهوى والطمع كما حكى الله تعالى عنهم في قوله :﴿الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرأى﴾ [ هود : ٢٧ ] ثم قال :﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى﴾ معناه لا نعتبر إلا الظاهر من أمرهم دون ما يخفى، ولما قال :﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى﴾ وكانوا لا يصدقون بذلك أردفه بقوله :﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ ثم قال :﴿وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين﴾ وذلك كالدلالة على أن القوم سألوه إبعادهم لكي يتبعوه أو ليكونوا أقرب إلى ذلك، فبين أن الذي يمنعه عن طردهم أنهم آمنوا به ثم بين أن غرضه بما حمل من الرسالة يمنع من ذلك بقوله :﴿إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ والمراد إني أخوف من كذبني ولم يقبل مني، فمن قبل فهو القريب، ومن رد فهو البعيد، ثم إن نوحاً عليه السلام لما تمم هذا الجواب لم يكن منهم إلا التهديد، فقالوا :﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين﴾ والمعنى أنهم خوفوه بأن يقتل بالحجارة، فعند ذلك حصل اليأس لنوح عليه السلام من فلاحهم، وقال :﴿رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ فافتح بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ وليس الغرض منه إخبار الله تعالى بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم، ولكنه أراد إني لا أدعوك عليهم لما آذوني، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك ﴿فافتح بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ﴾ أي فاحكم بيني وبينهم والفتاحة الحكومة، والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق، والمراد من هذا الحكم إنزال العقوبة عليهم لأنه قال عقبه :