ولما بادأهم بمثل هذا الذي من شأنه الإفضاء إلى الشر، أقبل على من يفعل ذلك لأجله، وهو القادر على كل شيء العالم بكل شيء، فقال :﴿رب نجني وأهلي مما﴾ أي من الجزاء الذي يلحقهم لما ﴿يعملون ﴾.
ولما قبل سبحانه وتعالى دعاءه، أشار إلى ذلك بقوله :﴿فنجيناه وأهله﴾ مما عذبناهم به بإخراجنا له من بلدهم حين ستخفافهم له، ولم يؤخره عنهم إلى حين خروجه إلا لأجله، وعين سبحانه المراد مبيناً أن أهله كثير بقوله :﴿أجمعين﴾ أي أهل بيته والمتبعين له على دينه ﴿إلا عجوزاً﴾ وهي امرأته، كائنة ﴿في﴾ حكم ﴿الغابرين﴾ أي الماكثين الذي تلحقهم الغبرة بما يكون من الداهية فإننا لن ننجها لقضائنا بذلك في الأزل، لكونها لم تتابعه في الدين، وكان هواها مع قومها.
ولما ذكر نجاته المفهمة لهلاكهم، صرح به على وجه هوله بأداة التراخي لما علم غير مرة أنه كان عقب خروجه، لم يتخلل بينهما مهلة فقال :﴿ثم دمرنا﴾ أي أهلكنا هلاكاً بغتة صلباً أصمّ في غاية النكد، وما أحسن التعبير عنهم بلفظ ﴿الآخرين﴾ لإفهام تأخرهم من كل وجه.
ولما كان معنى ﴿دمرنا﴾ : حكمنا بتدميرهم، عطف عليه قوله :﴿وأمطرنا﴾ ودل على العذاب بتعديته ب " على " فقال :﴿عليهم مطراً﴾ أي وأي مطر، ولذلك سبب عنه قوله :﴿فساء مطر المنذرين﴾ أي ما أسوأ مطر الذين خوفهم لوط عليه السلام بما أشار إليه إنكاره وتعبيره بالتقوى والعدوان.
ولما كان في جري المكذبين والمصدقين على نظام واحد من الهلاك والنجاة أعظم عبرة وأكبر موعظة، أشار إلى ذلك بقوله :﴿إن في ذلك لآية﴾ أي دلالة عظيمة على صدق الرسل في جميع ترغيبهم وترهيبهم وتبشيرهم وتحذيرهم.
ولما كان من أتى بعد هذه الأمم كقريش ومن تقدمهم قد علموا أخبارهم، وضموا إلى بعض الأخبار نظر الديار، والتوسم في الآثار قال معجباً من حالهم في ضلالهم :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿كان أكثرهم مؤمنين ﴾.