واعلم أن ظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم هود هو اللذات الحالية، وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة وثالثها : قوله تعالى :﴿وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين﴾ وهذا إشارة إلى أنه يجب الاكتفاء من الدنيا بقدر الكفاف، ولا يجوز التوسع في طلبها والاستكثار من لذاتها وشهواتها، فإن قيل ما فائدة قوله :﴿وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ جوابه : فائدته بيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح، كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح، ثم إن القوم أجابوه من وجهين : أحدهما : قولهم :﴿إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين﴾ وفيه وجوه : أحدها : المسحر هو الذي سحر كثيراً حتى غلب على عقله وثانيها :﴿مِنَ المسحرين﴾ أي من له سحر، وكل دابة تأكل فهي مسحرة، والسحر أعلى البطن، وعن الفراء المسحر من له جوف، أراد أنك تأكل الطعام وتشرب الشراب وثالثها : عن المؤرج المسحر هو المخلوق بلغة بجيلة وثانيهما : قولهم :﴿مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ وهذا يحتمل أمرين : الأول : أنك بشر مثلنا فكيف تكون نبياً ؟ وهذا بمنزلة ما كانوا يذكرون في الأنبياء أنهم لو كانوا صادقين، لكانوا من جنس الملائكة الثاني : أن يكون مرادهم إنك بشر مثلنا، فلا بد لنا في إثبات نبوتك من الدليل، فقال صالح عليه السلام :﴿هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ﴾ وقرىء بالضم، روي أنهم قالوا : نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقباً، فقعد صالح يتفكر، فقال له جبريل عليه السلام : صل ركعتين وسل ربك الناقة، ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم وحصل لها سقب مثلها في العظم، ووصاهم صالح عليه السلام بأمرين : الأول : قوله :﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ قال قتادة : إذا كان يوم شربها شربت


الصفحة التالية
Icon