فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) ﴾
القول فيما ذكره الله تعالى من أحوال محمد عليه الصلاة والسلام
اعلم أن الله تعالى لما ختم ما اقتصه من خبر الأنبياء ذكر بعد ذلك ما يدل على نبوته ﷺ وهو من وجهين : الأول : قوله :﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين﴾ وذلك لأنه لفصاحته معجز فيكون ذلك من رب العالمين، أو لأنه إخبار عن القصص الماضية من غير تعليم ألبتة، فلا يكون ذلك إلا بوحي من الله تعالى، وقوله بعده :﴿وإنه لَفِى زُبُرِ الأولين﴾ كأنه مؤكد لهذا الاحتمال، وذلك لأنه عليه السلام لما ذكر هذه القصص السبع على ما هي موجودة في زبر الأولين من غير تفاوت أصلاً مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستعداد، دل ذلك على أنه ليس إلا من عند الله تعالى، فهذا هو المقصود من الآية.
فأما قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين﴾ فالمراد بالتنزيل المنزل، ثم قد كان يجوز في القرآن وهذه القصص أن يكون تنزيلاً من الله تعالى إلى محمد ﷺ بلا واسطة فقال :﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ والباء في قوله :﴿نَزَلَ بِهِ الروح﴾ و ﴿نَزَلَ بِهِ الروح﴾ على القراءتين للتعدية، ومعنى ﴿نَزَلَ بِهِ الروح﴾ جعل الله الروح نازلاً به ﴿على قَلْبِكَ﴾ أي ( حفظكه و ) فهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله تعالى :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى﴾ [ الأعلى : ٦ ] والروح الأمين جبريل عليه السلام وسماه روحاً من حيث خلق من الروح، وقيل لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة، وقيل لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام، وإلى غيرهم.