فقال له قد وجب عليك الحد فقال يا أمير المؤمنين : قد درأ الله تعالى عني الحد بقوله سبحانه :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢٦ ] ﴿ وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد لما في ﴿ سيعلم ﴾ من تهويل متعلقه وفي ﴿ يَرَى الذين ظَلَمُواْ ﴾ من الإطلاق والتعميم، وقد كان السلف الصالح يتواعظون بها، وختم بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصيته حين عهد لعمر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتب في مرض موته حينئذ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم ﴾ هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر ويصدق فيها الكاذب إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وأن يجر ويبدل فلا عغلم فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرىء ما اكتسب ﴿ وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَيَ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾، وتفسير الظلم بالكفر وإن كان شائعاً في عدة مواضع من القرآن الكريم إلا أن الأنسب على ما قيل هنا الإطلاق لمكان قوله تعالى :﴿ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ وقال الطيبي : سياق الآية بعد ذكر المشركين الذين آذوا رسول الله ﷺ وما لقى منهم من الشدائد كما مر من أول السورة يؤيد تفير الظلم بالكفر.
وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ ابن عباس.
وابن أرقم عن الحسن ﴿ أَيُّ ﴾ بالفاء والتاء والتاء الفوقية من الانفلات بعنى النجاة، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات ﴿ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ﴾ هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى ﴿ مُنقَلَبٍ ﴾ والناصب له ﴿ يَنقَلِبُونَ ﴾، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في "البحر".


الصفحة التالية
Icon