قيل ويلزم القائلين بهذا حمل ما في خبر الصحيحين على كهان كانوا قبل البعثة وقد أدركهم السائلون وهو الذي يقتضيه كلام القاضي أيضاً.
فقد نقل النووي عنه في "شرح صحيح مسلم" أنه قال : كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضر، أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا ﷺ إلى آخر ما قال : وهو ظاهر كلام البوصيري حيث يقول :
بعث الله عند مبعثه الشه...
ب حراساً وضاق عنها الفضاء
تطرد الجن عن مقاعد للسم...
ع كما يطرد الذئب الرعاء
فمحت آية الكهانة آيا...
ت من الوحى ما لهن انمحاء
وقد قيل في الجواب عن الإشكال نحو هذا وهو أن تنزل الشياطين وإلقاءهم ما يسمعونه من السماء إلى أوليائهم حسبما تفيده الآية المذكورة في أحد محاملها إنما كان قبل البعثة حيث لم يكن حينئذ منع أو كان لكنه لم يكن شديداً.
والمنع من السمع الذي يفيده قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٢ ] إنما كان بعد البعثة وكان على أتم وجه، وهذا مشكل عندي بابن الصياد وما كان منه فإنهم عدوه من الكهان، وقد صح إنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام حين سأله عن أمره : يأتيني صادق وكاذب وأن النبي ﷺ امتحنه فاضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الدخان : ١٠ ] وقال ﷺ : خبأت لك خبأ فقال ابن الصياد : هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه كما ذهب إليه الجمهور فقال له النبي ﷺ :"أخسأ فلن تعدو قدرك".


الصفحة التالية
Icon