وقد قال القاضي كما نقل النووي عنه أيضاً : أصح إلا قول أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي عليه الصلاة والسلام إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب ويدل عليه قوله ﷺ :"أخسأ فلن تعدو قدرك" أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لا يبين منه حقيقته ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب، وقد يقال في دفع هذا الإشكال : إن ابن الصياد كان من الضرب الثاني من الكهان وهم الذين تخبرهم الشياطين بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنهم مما قرب أو بعد، والصحيح جواز وجودهم بعد البعثة خلافاً للمعتزلة وبعض المتكلمين حيث قالوا باستحالة وجود هذا الضرب، وكذا الضرب السابق آنفاً، وأنه يحتمل أن يكون النبي ﷺ قد أسر إلى بعض أصحابه الذين كانوا معه ما أضمره أو كانت سورة الدخان مكتوبة في يده ﷺ أو كتب الآية وحدها في يده عليه الصلاة والسلام، وكلا القولين الأخيرين حكاهما الداودين بعض العلماء كما في "شرح صحيح مسلم".
وأياً ما كان يكون ابن الصياد قد أخبر بأمر طارىء تطلع عليه الشياطين بدون اشتراق السمع من السماء وليس ذلك من الاطلاع على ما في القلب في شيء، ومع ذلك لم يخبر به تاماً بل أخبر به على نحو إخبار الكهان السابقين على زمن البعثة الذين هم من الضرب الأول في النقص.