وول اعتبر في كون الكلام شعراً إمكان استخراج كلام منظوم منه لكان كثير من الأطفال شعراء فإن كثيراً من كلامهم يمكن فيه ذلك، والظاهر أنهم إنما قصدوا رميه ﷺ بأنه وحاشاه ثم حاشاه يأتي بكلام مخيل لا حقيقة له، ولما كان ذلك غالباً في الشعراء الذين يأتون بالمنظوم من الكلام عبروا عنه عليه الصلاة والسلام بشاعر وعما جاء بالشعر، ومعنى الآية والشعراء يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون ومايذرون ولا يستمرو على وتيرة واحدة في الأفعال والأقوال والأحوال لا غيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى طريق الحق الثابتين عليه، والحصر مستفاد من بناء ﴿ يَتَّبِعُهُمُ ﴾ الخ على الشعراء عند الزمخشري كما قرره في تفسير قوله تعالى :﴿ الله يَسْتَهْزِىء بِهِم ﴾ [ البقرة : ١٥ ] وقوله سبحانه :﴿ والله يُقَدّرُ الليل والنهار ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] ومن لا يرى الحصر في مثل هذا التركيب يأخذه من الوصف المناسب أعني أن الغواية جعلت علة للاتباع فإذا انتفت انتفى وقوله تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾
استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له.
والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية للإشارة إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لا يختص برؤيته راء دون راء.
وضمير الجمع للشعراء أي ألم تر أن الشعراء في كل واد من أودية القيل والقال وفي كل شعب من شهاب الوهم والخيال وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال يهيمون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين من السبل بل يتحيرون في سباسب الغواية والسفاهة ويتيهون في تيه الصلف والوقاحة ديدنهم تمزيق الأعراض المحمية والقدح في الأنساب الطاهرة السنية والنسيبة بالحرم والغزل والابتهار والتردد بين طرفي الإفراط والتفريط في المدح والهجاء.
﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾