و لما كان غيابه بغير إذن منه توعده، فقال "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً" قالوا بحبسه مع ضدّه بالشمس أو بنتف ريشه أو يفرق بينه وبين إلفه، هذا إذا جاء عليه بشيء أوجب غيابه لمجرد عدم الاستئذان، أما إذا كان تخلفه عن وجوده بمحله دون معذرة فتشدد عقوبته، ولهذا قال "أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ" ٢١ حجة واضحة على غيبته بصورة اضطرارية لا يتمكن معها من الاستئذان، فإنه ينجو من العذابين المذكورين، قالوا ثم أرسل العقاب يطلبه فذهب "فَمَكَثَ" يتحراه "غَيْرَ بَعِيدٍ" أي مدة يسيرة وانتظره سليمان انتظارا قليلا، فوجده الغراب وأخبره بما توعده به سليمان، فقال له أو ما استثنى ؟ قال بلى، وذكر له كيفية الاستثناء، قال نجوت إن شاء اللّه، فسار معه حتى أحضره أمام سليمان، فرفع الهدهد رأسه وأرخى ذنبه، وحط جناحيه في الأرض تواضعا وخشوعا وخوفا منه، ولما سأله عن تخلفه، قال قبل أن يبدي حجته : يا نبي اللّه اذكر وقوفك بين يدي اللّه عز وجل، فارتعد سليمان لكلامه هذا، وعفا عنه قبل إبداء عذره، هكذا كانت الأنبياء وهم ملوك فتخلقوا أيها الناس بأخلاقهم، واقتدوا بأفعالهم وأقوالهم، فلو أن أحدنا مكانه لضرب به الأرض حالا دون رويّة.
مطلب ما قاله الهدهد لسليمان وعلوم القرآن الأربعة :