وقيل معنى ادّارك تكامل من أدركت الفاكهة إذا تكامل نضجها، وعليه يكون المعنى إن أسباب استحكام العلم بأن القيامة كائنة قد حصل لهم في الدنيا، ومكنوا من معرفته، إلا أنه لا علم عندهم من أمرها، فقد تتابع علمهم حتى انقطع، وهذا بيان لجهلهم بوقت البعث، وأرى أن الأول أولى لموافقته للسياق، ولقوله تعالى "بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها" بعد أن بلغ علمهم بها وتكاملت أسبابه بحصولها ووجودها "بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ" ٦٦ جمع عم وهو أعمى القلب، ويقال له أعمه كما يقال لأعمى البصر أعمى، وقد كرر الإضراب ببل ثلاثا لشدة جهلهم، إذ وصفهم أولا بعدم الشعور بوقت البعث، ثم بعدم العلم يكون القيامة، ثم بالخبط بالشك وعدم إزالته مع قدرتهم عليها بالإيمان والإيقان حتى صاروا لأسوأ حال، وهو وقوعهم بالحيرة بسبب عمه قلوبهم الناشئ عن كفرهم الذي منعهم من التفكر بالعاقبة، وهو من جهلهم المركب الذي لا يزول إلا بعناية من اللّه، وأنى لهم منها وقد انكبوا على الدنيا بكليتهم ؟ وقيل في المعنى :
سقام الحرص ليس له شفاء وداء الجهل ليس له طبيب
وقيل أيضا :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ يحي بالعلم ميّت وليس له حين النشور نشور
هذا، وإن قوله تعالى "وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ"
٦٧ أحياء من القبور كما كنا، هو كالبيان لجهلهم بالآخرة وعماهم عنها لأنهم يريدون بهذا عدم التصديق بها والإصرار على جحودها ويؤيده قولهم أيضا "لَقَدْ وُعِدْنا هذا" الإخراج من القبور بعد الموت "نَحْنُ" من قبل محمد ابن عبد اللّه الذي هو في عصرنا "وَآباؤُنا" أيضا وعدوا من قبله "مِنْ قَبْلُ" وجودنا من قبل أنبيائهم، وإنا نقول كما قال أسلافنا "إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ" ٦٨ وخرافاتهم يتناقلها الواحد بعد الآخر لا حقيقة لها.


الصفحة التالية
Icon