إيمانهم لو تأملوا وأنصفوا، ولكنهم لم يفعلوا مكابرة، ولذلك كذبوه كما فعل المشركون من قومه أو قالوا فيه ساحر وكاهن وناقل ومتعلم، وأن القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين، فقد كذبوا، وصفه أنه كلام اللّه عز وجل "وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" ٧٧
به، وضلال وعذاب للكافرين قال تعالى :"قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى" الآية ١٤ من سورة فصلت في ج ٢، فيا أكرم الرسل اتركهم الآن "إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ" في هذه الدنيا ويوم القيامة "بِحُكْمِهِ" العدل في اختلافهم هذا وغيره من كل ما تسول لهم به أنفسهم الخبيثة "وَهُوَ الْعَزِيزُ" الغالب الذي لا يرد أمره ولا يعقب حكمه "الْعَلِيمُ" ٧٨ بما يفعلون وما يستوجبون، لأنه يعلم دخائلهم "فَتَوَكَّلْ" يا سيد الرسل واعتمد "عَلَى اللَّهِ" ربك وثق به وفوّض أمرك إليه "إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ" ٧٩ وهم على الباطل الظاهر، تشير هذه الآية بوجوب توكل الخلق على خالقهم في كل أمورهم، ولكنه لا يفهم منها ترك الأسباب وعدم اتخاذ الواسطة لقضاء الأمور، بل لا بأس بها وخاصة في هذا الزمن، ولكن لا يعتمد مع اتخاذ الأسباب إلا على اللّه وحده في قضاء حوائجه، ولا يعرف أنها قضيت إلا منه وبأمره، لأنه هو الذي يوقع في القلوب ما يريده للعبد فيعملونه قسرا من حيث لا يشعرون أنه مراد اللّه سواء الخير والشر، ولو شاء لحال بين تلك الأسباب ولم يوفق العبد لها، ولو لم يشأ لعجز أهل الأرض والسماء عن قضائها "إِنَّكَ لا تُسْمِعُ" بدعوتك هذه "الْمَوْتى " قلوبهم "وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ" ٨٠ لأنهم إذا قابلوك قد يفهمون بالإشارة والرمز أو بمكبرات الصوت، ولكنهم إذا ولوك ظهورهم امتنع إفهامهم وإسماعهم


الصفحة التالية
Icon