فألقاها حالا دون تردد، امتثالا لأمره من غير أن يعلم المراد من إلقائها "فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ" تنحرك بشدة "كَأَنَّها جَانٌّ" حية صغيرة لشدة اضطرابها، وتقدم في الآية ١٠ من سورة الأعراف والآية ١٥ من سورة طه والآية ٣٢ من سورة الشعراء فقد بينا فيها التوفيق بين ما جاء فيها هنا وهناك، فراجعها.
فلما رأى حركة عصاه وما انقلبت إليه هاله شأنها فتأخر عنها، وهو معنى قوله تعالى "وَلَّى" ظهره محلها "مُدْبِراً" عنها وهرب خوفا مما رأى وازداد اضطرابه "وَلَمْ يُعَقِّبْ" يرجع ويلتفت عقبه إليها ثم ناداه عز وجل ثانيا "يا مُوسى لا تَخَفْ" مما رأيت، ارجع لأني أريد أن أجعلك رسولا لي "إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ" ١٠ لأني آمنتهم مما يخافون.
واعلم أن اللّه تعالى يفعل هذه المقدمات مع خلص خلقه من عباده الذين يختارهم لنبوته، ويصطفيهم لرسالته، بداية أمرهم إرهاصا لأقدارهم على تلقي وحيه، ليتوطنوا عليه، ويعلموا كيفية نزوله، وهذا الخوف غير الخوف الذي هو شرط الإيمان، فإن ذلك لا يفارقهم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : أنا أخشاكم للّه - راجع الآية ٢٧ من سورة فاطر المارة -