وصاح طيطوى فقال يقول كل حي ميت وكل جديد بال، وصاح خطاف فقال يقول قدموا خيرا تجدوه، وصاحت رحمة فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري فقال يقول سبحان ربي الأعلى، وقال تقول الحدأة كل شيء هالك إلا اللّه، والقطاة تقول من سكت سلم، والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه، والعقاب يقول في البعد عن الناس أنس، والديك يقول اذكروا اللّه يا غافلون، والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت، والضفدع تقول سبحان ربي القدوس، والقنبرة تقول اللهم العن مبغض محمد وآل محمد، والزرزور يقول اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رزاق، والدراج يقول الرحمن على العرش استوى.
وعدّ الضفدع مع هذه الطيور مع أنه ليس منها، إشعارا بأنه كما علمه اللّه منطق الطير علمه نطق بعض الحيوان والحيتان.
واللّه أعلم بصحة ذلك، وإنما نقلناها لما فيها من الحكم البديعة التي تصح أن تكون موعظة وذكرى للمتعظين من البشر، والغافلين الذين لا يعقلون ما يراد بهم، إذ
لو عقلوا لما لذّ لهم طعام ولا شراب، ولأكثروا من البكاء على أنفسهم وتركوا الضحك وتذكروا بمصير هذه الدنيا التي أغرتهم بزخارفها الفانية عن الدار الباقية، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
مطلب الصفات الممدوحة بالملك وحكم وأمثال :
قال تعالى "وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" ١٧ يمنع أولهم من سرعة السير ليلحق آخرهم مجتمعون لشدة الازدحام الناشئ عن كثرتهم، والوزع المنع، قال عثمان رضي اللّه عنه : ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن.
وقال الشاعر :
ومن لم يزعه لبه وحياؤه به فليس له من شيب فوديه وازع وإنما مال إلى حبس أولهم ولم يسق آخرهم ليلحقوا بهم رحمة ورأفة بهم، كي يستريح الأولون، ولا يزيد في تعب الآخرين.


الصفحة التالية
Icon