قال النحاس : ومثل هذا لا يوجد بإسناد صحيح، ولو صح لكان على التفسير، فتكون البركة راجعة إلى النار ومن حولها الملائكة وموسى.
وحكى الكسائي عن العرب : باركك الله، وبارك فيك.
الثعلبي : العرب تقول باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك، أربع لغات.
قال الشاعر :
فبوركتَ مولوداً وبوركتَ ناشِئاً...
وبوركتَ عند الشَّيبِ إذ أنتَ أشيبُ
الطبري : قال ﴿ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ ولم يقل بورك ( في من في ) النار على لغة من يقول باركك الله.
ويقال باركه الله، وبارك له، وبارك عليه، وبارك فيه بمعنًى ؛ أي بورك على من في النار وهو موسى، أو على من في قرب النار ؛ لا أنه كان في وسطها.
وقال السّدي : كان في النار ملائكة فالتبريك عائد إلى موسى والملائكة ؛ أي بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين هم حولها.
وهذا تحية من الله تعالى لموسى وتكرمة له، كما حيّا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه ؛ قال :﴿ رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت ﴾ [ هود : ٧٣ ].
وقول ثالث قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير : قُدِّس من في النار وهو الله سبحانه وتعالى، عنى به نفسه تقدّس وتعالى.
قال ابن عباس ومحمد بن كعب : النار نور الله عز وجل ؛ نادى الله موسى وهو في النور ؛ وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نوراً عظيماً فظنه ناراً ؛ وهذا لأن الله تعالى ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار لا أنه يتحيز في جهة ﴿ وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله ﴾ [ الزخرف : ٨٤ ] لا أنه يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلَم به وجود الفاعل.
وقيل على هذا : أي بورك من في النار سلطانه وقدرته.
وقيل : أي بورك ما في النار من أمر الله تعالى الذي جعله علامة.
قلت : ومما يدلّ على صحة قول ابن عباس ما خرّجه مسلم في "صحيحه"، وابن ماجه في "سننه" واللفظ له عن أبي موسى قال : قال رسول الله ﷺ :