وقال ابن عطية :
ثم أمر تعالى موسى بأن يدخل يده في جيب جبته لأنها لم يكن لها كم فيما قال ابن عباس، وقال مجاهد كانت مدرعة صوف إلى بعض يده، و" الجيب " الفتح في الثوب لرأس الإنسان، وروي أن يد موسى عليه السلام كانت تخرج تلألأ كأنها قطعة نور، ومعنى إدخال اليد في الجيب ضم الآية إلى موسى وإظهار تلبسها به لأن المعجزات من شروطها أن يكون لها اتصال بالآتي بها، وقوله ﴿ من غير سوء ﴾ أي من غير برص ولا علة وإنما هي آية تجيء وتذهب، وقوله ﴿ في تسع آيات ﴾، متصل بقوله ﴿ ألق ﴾ ﴿ وأدخل ﴾، وفي اقتضاب وحذف تقديره نمهد ونسير ذلك لك في جملة تسع آيات، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والحجر، وفي هذين الآخيرين اختلاف والمعنى تجيء بهن إلى فرعون وقومه.
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) ﴾
الضمير في قوله ﴿ جاءتهم ﴾ لفرعون وقومه، و﴿ مبصرة ﴾ معناه الإبصار والوضوح، وهذا على نحو قولهم : نهار صائم وليل قائم ونائم، وقرأ قتادة وعلي بن الحسين " مَبصَرة " بفتح الميم والصاد، وظاهر قوله تعالى :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ﴾ حصول الكفر عناداً وهي مسألة قولين هل يجوز أن يقع أم لا؟ فجوزت ذلك فرقة وقالت يجوز أن يكون الرجل عارفاً إلا أنه يجحد عناداً ويموت على معرفته وجحوده فهو بذلك في حكم الكافر المخلد، قالوا وهذا حكم إبليس وحكم حيي بن أخطب وأخيه حسبما روي عنهما.
قال الفقيه الإمام القاضي : وإن عورض هذا المثال فرض إنسان ويجوز ذلك فيه وقالت فرقة لا يصح لوجهين :
أحدهما أن هذا لا يجوز وقوعه من عاقل، والوجه الآخر أن المعرفة تقتضي أن تحل في القلب، وذلك إيمان وحكم الكفر لا يلحقه إلا بأن يحل بالقلب كفر، ولا يصح اجتماع الضدين في محل واحد، قالوا : ويشبه في هذا العارف الجاحد أن يسلب عند الموافاة تلك المعرفة ويحل بدلها الكفر.