ولعل النكتة في العدول عن فلما جاءهم موسى بآياتنا إلى ما في النظم الجليل الإشارة إلى أن تلك الآيات خارجة عن طوقه عليه السلام كسائر المعجزات وأنه لم يكن له عليه السلام تصرف في بعها وكونه معجة له لأهباره به ووقوعه بدعائه ونحوه، ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يده للإعجاز في قوله سبحانه :﴿ فَلَمَّا جَاءهُم موسى بآياتنا ﴾ [ القصص : ٣٦ ] في محل آخر، وقد بين بعضهم وجهاً لاختصاص كل منهما بمحله بأن ثمة ذكر مقاولته عليه السلام ومجادلتهم معه فناسب الإسناد إليه، وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأ المقصود بيان جحودهم بها، وإضافة الآيات للعهد، وفي إضافتها إلى ضمير العظمة ما لا يخفى من تعظيم شأنها ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ حال من الآيات أي بينة واضحة، وجعل الأبصار لها وهو حقيقة لمتأمليها للملابسة بينها وبينهم لأنهم إنما يبصرون بسبب تأملهم فيها فالإسناد مجازي من باب الإسناد إلى السبب، ويجوز أن يراد مبصرة كل من نظر إليها من العقلاء أو من فرعون وقومه لقوله تعالى :﴿ واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ﴾ [ النمل : ١٤ ] أي جاعلته بصيراً من أبصره المتعدي بهمزة النقل من بصر والإسناد أيضاً مجازي.
ويجوز أن تجعل الآيات كأنها تبصر فتهدي لأن العمى لا تقدر على الاهتداء فضلاً أن تهدي غيرها فيكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية مرشحة، قال في "الكشف" وهذا الوجه أبلغ، وقيل : إن فاعلاً أطلق للمفعول فالمجاز إما في الطرف أو في الإسناد فتأمل.
وقرأ قتادة.