﴿ يا موسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم ﴾ الضمير للشأن، أنا الله العزيز الغالب القاهر الحكيم في أمره وفعله.
وقيل : إن موسى قال : يا ربّ من الذي ناداني؟ فأجابه الله سبحانه بقوله :﴿ إنه أنا الله ﴾ ثم أمره سبحانه بأن يلقي عصاه ؛ ليعرف ما أجراه الله سبحانه على يده من المعجزة الخارقة، وجملة :﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ معطوفة على ﴿ بورك ﴾، وفي الكلام حذف، والتقدير، فألقاها من يده، فصارت حية ﴿ فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ قال الزجاج : صارت العصا تتحرك كما يتحرّك الجانّ، وهي الحية البيضاء، وإنما شبهها بالجانّ في خفة حركتها، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وجمع الجانّ : جنان، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم.
وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيرة ﴿ ولى مُدْبِراً ﴾ من الخوف ﴿ وَلَمْ يُعَقّبْ ﴾ أي لم يرجع، يقال : عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب، وقيل : لم يقف، ولم يلتفت.
والأوّل أولى ؛ لأن التعقيب هو : الكرّ بعد الفرّ.
فلما وقع منه ذلك قال الله سبحانه :﴿ ياموسى لاَ تَخَفْ ﴾ أي من الحية وضررها ﴿ إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون ﴾ أي لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي فلا تخف أنت.
قيل : ونفى الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات، بل في وقت الخطاب لهم ؛ لأنهم إذ ذاك مستغرقون.
ثم استثنى استثناء منقطعاً، فقال ﴿ إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوء فَإِنّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي : لكن من أذنب في ظلم نفسه بالمعصية ﴿ ثم بدل حسناً ﴾ أي : توبة وندماً ﴿ بعد سوء ﴾ أي بعد عمل سوء ﴿ فإني غفور رحيم ﴾ وقيل : الاستثناء من مقدّر محذوف أي لا يخاف لديّ المرسلون، وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلاّ من ظلم ثم بدل إلخ، كذا قال الفراء.
قال النحاس : الاستثناء من محذوف محال، لأنه استثناء من شيء لم يذكر.
وروي عن الفراء أنه قال : إلاّ بمعنى الواو.


الصفحة التالية
Icon