أمره الله عز وجل بهذين الأمرين تدريباً له في استعمالهما، وفي الكلام حذف تقديره فألقى العصا ﴿ فلما رآها تهتز ﴾، وأمال " رآها " بعضُ القراء، و" الجانّ " الحيات لأنها تجن أنفسها أي تسترها، وقالت فرقة : الجان صغار الحيات وعصا موسى صارت حية ثعباناً وهو العظيم فإنها شبهت ب " الجانّ " في سرعة الاضطراب، لأن الصغار أكثر حركة من الكبار، وعلى كل قول فإن الله خلق في العصا حياة وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية، وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد " جأن " بالهمز فلما أبصر موسى عليه السلام هل ذلك المنظر ﴿ ولى ﴾ فاراً، قال مجاهد ولم يرجع وقال قتادة : ولم يلتفت.
قال القاضي أبو أحمد : و" عقب " الرجل إذا ولى عن أمر صرف بدنه أو وجهه إليه كأنه انصرف على عقبيه وناداه الله مؤنساً ومقوياً على الأمر :﴿ يا موسى لا تخف ﴾ فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوّة لا يخافون عندي، ومعي، فأخذ موسى الحية فرجعت عصا ثم صارت له عادة، واختلف الناس في الاستثناء في قوله تعالى ﴿ إلا من ظلم ﴾، فقال مقاتل وغيره : الاستثناء متصل وهو من الأنبياء، وروى الحسن أن الله تعالى قال لموسى : أخفتك بقتلك النفس، وقال الحسن أيضاً : كانت الأنبياء تذنب فتعاقب ثم تذنب والله فتاقب فكيف بنا، وقال ابن جريج : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه، قال كثير من العلماء : لم يعر أحد من البشر من ذنب إلا ما روي عن يحيى بن زكرياء.