وفي هذه الآية تنبيه على أمور : أحدها : أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز، وإنما يلزم من في الطريق التحرز وثانيها : أن النملة قالت :﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام وثالثها : ما رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت غيرها بالدخول لأنها خافت على قومها أنها إذا رأت سليمان في جلالته، فربما وقعت في كفران نعمة الله تعالى وهذا هو المراد بقوله :﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان﴾ فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في كفران نعمة الله تعالى، وهذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محذورة ورابعها : قرىء ( مسكنكم ) و ( لا يحطمنكم ) بتخفيف النون، وقرىء ( لا يحطمنكم ) بفتح الطاء وكسرها وأصلها يحطمنكم.
أما قوله تعالى :﴿فَتَبَسَّمَ ضاحكا مّن قَوْلِهَا﴾ يعني تبسم شارعاً في الضحك ( وآخذاً فيه )، بمعنى أنه قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك، وإنما ضحك لأمرين : أحدهما : إعجابه بما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده ( وشفقتهم ) وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى، وذلك قولها :﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ والثاني : سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحداً من سماعه لكلام النملة وإحاطته بمعناه.
أما قوله تعالى :﴿رَبّ أَوْزِعْنِى﴾ فقال صاحب "الكشاف" : حقيقة أوزعني : اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأكفه عن أن ينقلب عني، حتى أكون شاكراً لك أبداً، وهذا يدل على مذهبنا فإن عند المعتزلة كل ما أمكن فعله من الألطاف فقد صارت مفعولة وطلب تحصيل الحاصل عبث.
وأما قوله تعالى :﴿وعلى وَالِدَىَّ﴾ فذلك لأنه عد نعم الله تعالى على والديه نعمة عليه.