وقال ابن عطية :
﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) ﴾
القائل سليمان عليه السلام و﴿ الملأ ﴾ المنادى جمعه من الإنس والجن، واختلف المتأولون في غرضه في استدعاء " عرشها " فقال قتادة ذكر له بعظم وجودة فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم، و" الإسلام " على هذا التأويل الدين، وهو قول ابن جريج، وقال ابن زيد استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله وليغرب عليها، و﴿ مسلمين ﴾ في هذا التأويل بمعنى مستسلمين وهو قول ابن عباس وذكره صلة في العبارة لا تأثير لاستسلامهم في غرض سليمان، ويحتمل أن يكون بمعنى الإسلام، وظاهر هذه الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها ورده إياها، وقد بعث الهدهد بالكتاب وعلى هذا جمهور المفسرين، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال هذه المقالة هي ابتداء النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال له ﴿ ولها عرش عظيم ﴾ [ النمل : ٢٣ ] قال سليمان ﴿ أيكم يأتيني بعرشها ﴾ ثم وقع في ترتيب القصص تقديم وتأخير.
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أصح وروي أن عرشها كان من ذهب وفضة مرصعاً بالياقوت والجوهر وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق، وقرأ الجمهور " قال عفريت " وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي " قال عفرية "، ورويت عن أبي بكر الصديق، وقرأت فرقة " قال عِفر " بكسر العين، وكل ذلك لغات فيه وهو من الشياطين القوي المارد والتاء في ﴿ عفريت ﴾ زائدة، وقد قالوا تعفرت الرجل إذا تخلق بخلق الإذاية، قال وهب بن منبه اسم هذا العفريت كودا، وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني ومن هذا الاسم قول ذي الرمة :[ البسيط ]
كأنه كوكب في إثر عفرية... مصوب في سواد الليل منقضب